مقالات

26 يونيو 2018

اليوم العالمي لمحاربة التصحّر والجفاف: خياراتنا اليوميّة يمكن أن تساهم في إنقاذ كوكبنا

"للأرض قيمة فعليّة، استثمروا فيها"، هو شعار العام الحالي "لليوم العالمي لمحاربة التصحّر والجفاف"، والذّي يصادف في 17 حزيران من كلّ سنة. وتعاني المنطقة العربيّة من نسب عاليّة من الجفاف، مع تصحّر ما بين السبعين والثمانين في المئة من أراضيها. كما تصنّف معظم الدول العربيّة تحت خطّ الفقر المائي، ويواجه نصف سكّانها ندرة المياه الحادة. وفي هذا الاطار يبرز السؤال التالي: إلى أيّ مدى يمكن لخياراتنا اليوميّة أن تساهم في انقاذ الأرض؟
إن أسباب تدهور الاراضي عديدة، من بينها تسارع النمّو السكّاني، والتمدّن، والاستخدام المفرط للموارد الطبيعيّة، والاستمرار في التوسّع والتكثيف الزراعي، والرعي المفرط، وتآكل التربة بسبب المياه والريح، وتلوّث المياه، وانخفاض نسب المياه الجوفيّة، وتدمير التنّوع البيولوجي، بالإضافة إلى سوء استغلال التلال الرمليّة. وهذه ليست سوى جزء من الأسباب.

كما أن الموارد الطبيعية محدودة، إذ أن معدّل حصة الفرد من الأرض الخصبة هو أقلّ 0,17 هكتار، فيما يعيش أكثر من نصف الشعب العربي على أقلّ من خمسمئة متر مكعّب من الماء للفرد سنوياً_ وهو أقلّ بكثير من معدّل الفقر المائي والمقدّر بألف متر مكعّب. ومن المتوقّع أن تستمرّ كميات هذه الموارد الأساسيّة بالانخفاض، فمع ارتفاع عدد السكان وتوسّع المدن، تقلّ الموارد وتنضب، ناهيك عن آثار التغيّر المناخي.
وهناك سبب أساسيّ آخر لتدهور الاراضي لم يعد بالإمكان التغاضي عنه، هو أوجه حياتنا العصريّة الّتي تتضمّن العادات الشرائية، والخيارات السكّانيّة، وأنماط استهلاك الموارد، وإنتاج النفايات، وإقامة نشاطات ترفيهيّة مختلفة. ويتّم في الغالب التعامل مع هذه التصرفات على أنها من المسلّمات، على الرغم من تأثيراتها السلبية الكبيرة على البيئة والموارد الطبيعية الشحيحة أصلاً.

وبحسب مصادر الأممّ المتّحدة، فإنّ معظم دول المنطقة تستهلك أكثر بكثير من قدراتها البيولوجيّة أو قدراتها الداخليّة على انتاج الموارد واستيعاب النفايات، فيما تقوم بعض الدول باستهلاك أكثر من عشر مرّات من قدراتها الداخليّة، إلى جانب غياب التشريعات مناسبة للتعامل مع هذا الامر.  
وكمستهلكين، فإننا نعطي الأولويّة في الغالب لما يناسبنا على حساب حسّ المسؤوليّة البيئيّة، كما يظهر من عدد الأكياس البلاستيكية غير القابلة للتحلّل التي تستخدم يوميا من دون الاهتمام بتأثيرات ذلك على المدى البعيد. ويظهر ذلك أيضاً من خلال قيام عدد كبير من الأشخاص على تغيير أجهزتهم الالكترونيّة بصورة دوريّة، من أجهزة هاتف خليويّة أو أجهزة كمبيوتر شخصيّة، أو أجهزة تلفزة أو مايكروويف رغم انها لازالت تعمل بشكل جيد. إنّ ذلك يؤدّي إلى أنماط استهلاك غير مستدامة من شأنّها أن ترفع حجم انتاج النفايات بنسبة كبيرة. وحين لا تتم إعادة تدوير "النفايات الالكترونيّة" بطريقة سليمة، ينتج عنها مكّونات ملوثة للهواء والتربة والمياه.

في الوقت ذاته، بتنا معتادين على حمل الطعام والشراب في مستوعبات بلاستيكيّة أوّ مشمّعة. وبالإضافة إلى التأثير البيئي لذلك، فإن هذه الوسيلة "الملائمة" يمكن أن تعرّضنا لمركبات كيميائية تحتوي على الفلور، الأمر المرتبط بخطر متزايد على الخصوبة، وعلى تطوّر الأطفال، وإنتاج الهرمونات وتوازنها، وجهاز المناعة وارتفاع معدّلات الكوليسترول بالإضافة إلى احتمال كونها من المواد المسرطنة.

والامثلة على المنتجات التّي تحتوي على مركبات الفلور تشمل: أكياس الفشّار (البوشار)، علب البيتزا، معدّات الطبخ الّتي لا يلتصق بها الطعام، الفرش والأقمشة المقاومة للبقع، الملابس المقاومة للبلل، عدد كبير من منتجات التنظيف والعناية الشخصية (مثل الشامبو أو خيوط تنظيف الأسنان) ومواد الدهان والمواد المانعة للتسرب. ويؤدي التخلص من هذه المنتجات الى تلوّث أرضنا ومواردنا المائيّة، فيما مخاطرها تزداد مع تكدّسها في البيئّة.

للأسف، فإن معظم النفايات الناتجة من الأنشطة البشرية تتحلّل ببطء، وتشير التقديرات إلى أن الصحف ومعظم نفايات المطابخ تحتاج إلى ثلاثة أو أربعة أسابيع للتحلّل، أمّا الورق الشمعي وأعقاب السجائر فتحتاج إلى ثلاثة أشهر، في حين أن الخشب المطلي يحتاج إلى عشر سنوات، والأكياس البلاستيكيّة والمنتجات الجلدية يلزمها مئة عام للتحلّل، أمّا العلب المعدنيّة فبين المئتين والخمسمئة عام، وبعض الزجاجات البلاستيكيّة تتطلّب نحو ألف عام.  في المقابل، فإن العلكة الّتي نمضغها ليست قابلة للتحلّل. كما أنه من المهم أيضا النظر في الموارد الأخرى المستخدمة في انتاج هذه المواد وغازات الاحتباس الحراري المنبعثة خلال تلك العمليات.
ومع ذلك، من الممكن تحسين الوضع من خلال العمل على تشجيع اتخاذ خطوات صغيرة فعّالة في الاتجاه المناسب، تشمل الخيارات والقرارات الذكية في حياتنا اليومية المتعلقة بما ننتج، وما نشتريه وكيف نستهلك. من الممكن لهذه الخطوات أن تؤثر إيجاباً على استدامة مواردنا الطبيعية حتى تتمكن الأجيال الحالية والمستقبلية من الاستمتاع بفوائد هذه الموارد. ويصبح من المهم أيضا ًأن تترافق تلك الخطوات بتطوير تشريعات بيئية فعالة وإنفاذها على أرض الواقع لمنع التخلص العشوائي من النفايات وضمان جمعها والتخلص منها بطريقة سليمة.

على مدى العقدين الماضية، ساعد الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف في زيادة الوعي بمدى اهمية مشاركة فئات المجتمع والتعاون على جميع المستويات لدعم "السعي إلى تحقيق عالمٍ خالٍ من ظاهرة تدهور الأراضي" - وهي قضية ذات أهمية خاصة للمنطقة العربية نظراً لموقعها الجغرافي، والظروف المناخية السائدة والمتوقعة.

وأعلنت المنظمة الدولية المعنية بهذه الجهود، وهي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD)، شعار "للأرض قيمة حقيقية. استثمر فيها" كعنوان لاحتفالات هذا العام للتأكيد على أننا جميعًا صناع قرار وخياراتنا لها عواقب.

وفي هذا الإطار يمكن إعادة تنشيط سبل العيش والمجتمعات في جميع أنحاء المنطقة من خلال الإدارة الجيدة لموارد الأراضي والمياه، كما يتجلى ذلك على سبيل المثال في جهود المجتمعات الزراعية في المناطق الصحراوية في الجزائر ومصر على الرغم من التحديات التي تواجهها. وبالنظر إلى المعلومات المتاحة، يصبح من المهم التفكير في ما يمكننا القيام به لتحسين كفاءة استخدام الموارد، وبمعنى آخر كيف يمكن لنا رفع كفاءة الانتاج وخفض توليد النفايات في الوقت نفسه؟
هناك مجموعة واسعة من الخيارات والقرارات الذكية اليومية التي يمكننا اعتمادها، بما في ذلك على سبيل المثال، اختيار استخدام المنتجات العضوية، التي تتم زراعتها بأقل تأثير ممكن على البيئة؛ شراء السلع التي تم إنتاجها على نحو مستدام أو التي تدعم الاستدامة مثل تلك المعتمدة على معايير محددة مثل البيئة الخضراء والرفق بالحيوان وإدارة الغابات والمياه أو المنتجات البحرية المستدامة؛ وبالطبع، تبني أنماط سلوكية صديقة للبيئة، مثل تقليل المشتريات وإعادة استخدام المنتجات وإعادة تدويرها.

لا يوجد لدينا متسع من الوقت، إذ أنّه لا مفر من اتخاذ إجراءات تصحيحية عاجلة للحفاظ على الموارد الطبيعية، ومن حسن الحظ أنه لم يفت الأوان بعد لإجراء تغييرات من الممكن أن يكون لها تأثيرات ايجابية. لقد حان الوقت لبدء حملات توعية مكثفة لتثقيف واضعي السياسات والجمهور من خلال استخدام وسائل الإعلام المختلفة. كل واحد منا مسؤول لإظهار المثال الصالح داخل مجتمعاتنا المحلية وأسرنا من خلال تبني تغييرات صغيرة لها فعالية تدريجية التدريجي. وهنا لا بد من التأكيد على الدور الحيوي والأساسي الذي تؤديه النساء في التعليم وتغيير السلوك في المجالات العامة والخاصة.
وحيث نحتقل اليوم، باليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف، دعونا نشدد التأكيد على تعزيز الإدارة البيئية لكوكبنا، إذ لا يوجد لنا مسكن آخر غير الأرض.
 
arrow-up icon
تقييم